أطفال 'القمامة'.. من يتحمّل مسؤوليتهم، ومن يحميهم؟

أطفال 'القمامة'.. من يتحمّل مسؤوليتهم، ومن يحميهم؟
أطفال 'القمامة'.. من يتحمّل مسؤوليتهم، ومن يحميهم؟

لأنه مجرد.. "غلطة". وتحت ضغط "الشرف"، و"إذا أهلي بيعرفوا بيقتلوني"، و"مش قدرانين نربي"، و"ما منقدر نصرف عالولد".. تزدحم مبررات واهية تدفع أمهات برحم دماؤه "مسرطنة" باللا-إنسانية، إلى التخلّي، بإصرار وتصميم، عن فعل الأمومة، بدعم مطلق غالباً من الأسرة والشريك، وتحت ذريعة ما يعرف بالرادع الاجتماعي الذي يَحرّم تخطيه. وهذا التخلّي لا يكون بوضع الطفل بإحدى دور الرعاية، ولا بمنحه لعائلة تتوق لنفس "صغير" يدشن حياتها، وإنّما بمحاولة القتل عبر رمي هذا "الطفل" في مكان، غالباً ما يكون حاوية للنفايات!!

ولعلّ السؤال الأبرز قبل الخوض في هذه القضية، لماذا النفايات؟ لماذا يرى الشريكان في ذاك "الطفل" نوعاً من القاذورات التي لا بد من التخلص منها بين البقايا، عوضاً عن وضعها في ملجأ للرعاية في حال لم يريدا تحمل المسؤولية وأن يقوما على تربيته والاهتمام به؟!

والأنكى، لماذا التريث والوصول إلى مرحلة الإنجاب فيما هما قد عقدا النية منذ تكوّنت "النطفة" على التخلص من الطفل. فهذه جريمة لا تولد في ثوانٍ، وإنّما يتم التخطط لها حتى التعايش. فأي أم تلك التي ترمي جنينها ما لم تكن قد تزاوجت والفكرة لشهور خلت؟ ولعلّ الأفظع هو تخطي فكرة الاجهاض التي لم يكن صعبا للطرفين أن يلجآ إليها على الرغم من القوانين المانعة، إلا أنّ الغاية كانت إفساح المجال للروح أن تنفخ، للجسد أن يتشكل وأن يكتمل، كي يعرّيا الطفل البريء من قطعة القماش التي تلّفه ويضعاه حيث يرمي الناس ما لا لزوم له، كي يبكي للمرة الأخيرة ويلفظ أنفاسه الأخيرة فينتهي العار.. وأي عار أكبر من هذه الجريمة؟!

 

خبرٌ مكرر ومأساة تتجدد

جرائم رمي الأطفال في لبنان ليست خبراً، ولا حادثاً عرضياً، إذ باتت مسلسلاً يومياً في ظلّ غياب المحاسبة، ومن يحاسب؟ فالشرف يعلو القانون، يعلو السلطات جميعها، واللفلفة لا يمكن لدستور ولا لمادة قانونية أن تعيقها، فإن نجا الطفل يتم إعادته في أغلب الحالات لوالدين لا أهلية لهما، فيزوجهما المجتمع وينصبهما أماً وأباً بغطاء قانوني، ويمنحهما الطفل هدية. هدية تعقب الجريمة الكبرى ومحاولة قتله والتخلص منه إلى الأبد!

وبالطبع هي محاولة قتل؟ فالطفل لا يترك بين النفايات "عارياً" إلا ليقتل، إما برداً، أو نهشاً، أو بارتطام شيء ما بجسمه الضعيف.. وهذا ما شاهدناه مؤخراً، فبين الطفل الذي عثر عليه جثة هامدة في زغرتا في 27 تشرين الثاني الماضي، وبين الطفلة التي أنقذها القدر في طرابلس، بشريط فيديو، لم يوثق القاتل الأوّل، فيما كشف الثاني، مُظهراً الأم وهي تتجه لرمي طفلتها بعد ساعات من الولادة، راصداً نظراتها الجامدة، ولا نبالغ إن قلنا أنّ الفيديو يرسم "وجه القاتل"!.. إلى حالات كثيرة جداً تتكرر في اكثر من منطقة.

يبقى السؤال عن القانون؟ من يحمي الأطفال؟ من يحميهم من ذويهم، من التعنيف؟ وهل يجوز إعادة طفل لأم وأب اتفقا على رميه؟ وهذا ليس حصراً بحالة طرابلس وإنّما بحالات عديدة لا يتوقف عندها القانون اللبناني كقضية بذريعة أن.. الشرف أهم!

 

بين القانون ودور الرعاية

مصادر قانونية، تؤكد أنّ هناك قوانين تحمي الأطفال، وأنّ هناك جمعيات متخصصة دورها حماية الطفل في هذه الحالات، إلا أنّ هذه الجمعيات أو كما تعرف بـ"دور الأيتام" يطرح حولها العديد من الشكوك إثر اتهامات عديدة طاولت البعض منها في السنوات الماضية، إن من جهة بَوْح بعض الأطفال بتعرضهم للتحرش، أو من جهة التعنيف الذي سبق ووثق بأكثر من فيديو!

مديرة جمعية "الجهد المشترك" تامي قزحيا، أوضحت لـ"لبنان 24" أنّهم كجمعية حينما يجدون طفلاً يسلمونه للمخفر، الذي بدوره يتحرك لإيجاد مركز يستقبله، وسألت: "هل المراكز مؤهلة؟ هذا السؤال يطرح نفسه، هناك العديد من المراكز والدور ولكن لا يوجد هناك الدعم الكافي لتأمين البرامج التعليمية والدعم النفسي والرعاية. وهذا النوع من الدعم والتأهيل أشك في وجوده في جميع المراكز التي تعمل وفق قدرتها".

وأضافت: "حينما لا تكون هناك برامج تعليمية ودعم نكون قد منحنا الطفل جزءًا من الحماية، وليس كامل الحماية التي هي حق له"، ولفتت قزحيا إلى أنّه "على وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية مواكبة عمل بعض المراكز التي تشهد في بعض الأوقات تحرشات ومخالفات".

محامي الجمعية شكري حداد أشار من جهته لـ"لبنان 24" إلى أنّ "الطفل يرتبط أولاً بعائلته أي بالأم والأب، من هنا يجب تقديم دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة من إحدى الجمعيات المعنية والمرخصة من وزارة العدل من أجل تأمين الحماية له بعد إثبات وجود جرم مرتكب من عائلته سواء عبر رميه في النفايات أم على الطريق أم إرغامه على القيام بأي أفعال أخرى منها التسوّل أو غيره..."، وتابع مؤكداً "الحماية القانونية للطفل تتأمن عبر جمعية مرخصة، من أجل حمايته من الاستغلال أو الاختطاف والاستعمال أو رميه بهدف الأذية".

وأشار حداد إلى أنّه "كي يتحرك القانون في هذه القضايا يجب أن يكون هناك علم بوجود الأذية، وفي حالة الإيذاء القصدي تتحرك النيابة العامة فوراً بمجرد العلم، لاتخاذ التدابير الاحترازية لمنع الاعتداء على الطفل مجدداً أو محاولة إيذائه أو قتله أو الإتجار فيه".

وعند سؤاله عن الحالات التي يتم فيها لفلفة الموضوع أوضح أنّه "في بعض الحالات تختلق العائلات سيناريو للخروج من المأزق عبر القول إنّ الولد قد خطف وهم عائلته ووجدوه، أو حتى عناصر الأمن قد تقوم بإعادة تسليم الطفل للعائلة نظراً لعاطفة الأم وفق تعهدات"، مشدداً على أنّ "هذه الحالات لا يمكن تعميمها فالقانون صارم جداً وهناك تشديد في تطبيق القوانين التي تحمي الأطفال".

وأشار حداد إلى أنّه إذا ثبتت هذه الضبضبة، فهي تكون بعد تدخل العائلات في بعض المناطق وقبل إبلاغ النيابة العامة أو تحركها، مؤكداً أنّ "القانون واضح".

وزّود المحامي حداد "لبنان 24" بالمواد القانونية والعقوبات المتعلقة بهذه القضايا وهي:

المادة 498: من طرح او سيب ولدا دون السابعة من عمره او اي شخص آخر لا يملك حماية نفسه بسب حالة جسدية او نفسية عوقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى سنة، اذا طرح الولد او العاجز او سيب في مكان قفر كان العقاب من سنة الى ثلاث سنوات.

المادة 499: اذا سببت الجريمة للمجني عليه مرضا او اذى او افضت به الى الموت او اخذ بها المجرم وفاقا لاحكام المادة الـ191 في حالة الطرح والتسيب في مكان غير مقفر اذا لم يكن قد توقع تلك النتيجة او اعتقد ان بامكانه اجتنابها وأخذ بها وفقا لاحكام المادة ال189 في حالة الطرح او التسييب في مكان مقفر كما توقع التنيجة وقبل بالمخاطر.

المادة 501 (عدلت بموجب قانون 239/1993): ان الاب والام اللذين يتركان في حالة احتياج ولدهما الشرعي او غير الشرعي او ولدا تبنياه سواء رفضا تنفيذ موجب الاعالة الذي يقع على عاتقهما او اهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه يعاقبان بالحبس مع التشغيل ثلاثة اشهر على الاكثر  وبغرامة لا تتجاوز المئتي الف ليرة.

ولفت حداد في الختام إلى أنّ المادة 501 تشدد في حال ثبت أنّ هناك جرماً، فتتحول لجناية في حال مات الطفل أو لحقت به أي أذية.

(نسرين مرعب)

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى “الحزب” ينعى عنصرين له

معلومات الكاتب