خلال العام 1936، مرت الولايات المتحدة الأميركية بواحدة من أسوأ فتراتها. بالإضافة لأزمة الكساد العظيم ونتائجها الكارثية على الاقتصاد (من ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت أرقاماً قياسيةً وتزايد أعداد المتشردين) ولكارثة "قصعة الغبار" التي كان لها تأثير سلبي على الموسم الفلاحي، عاش الأميركيون خلال صيف 1936 على وقع موجة حر غير مسبوقة بلغت على إثرها درجات الحرارة أرقاما قياسية وأدت لسقوط آلاف الضحايا، في فترة سبقت انتشار أجهزة تكييف الهواء.
منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع موجات جفاف وقحط، خاصة بمناطق السهول الكبرى، على إثر تراجع كميات الأمطار. وقد أدى هذا لخراب نسبة هامة من الحياة النباتية وتراجع رطوبة الأرض لتكتسب بذلك مناطق عدّة مناخاً صحراوياً ساهم في ارتفاع درجات الحرارة. أيضا، شهد الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية مع بداية الاعتدال الصيفي لسنة 1936 ارتفاعا للضغط الجوي ساهم في ارتفاع درجات الحرارة وظهور موجة الحر القاسية التي عصفت بمناطق عديدة عند مستوى وسط غرب البلاد والبحيرات العظمى.
وقد سجلت موجة الحر ظهورها منذ أواخر شهر حزيران/يونيو 1936، عقب شتاء بارد، حيث تخطت درجات الحرارة 38 درجة بأغلب المدن الأميركية. وخلال شهر تموز/يوليو من نفس السنة بلغت الحرارة أرقاما قياسية وغير مسبوقة حيث سجلت منطقة ستيل (Steele) بداكوتا الشمالية 49 درجة، وعرفت مدن ولاية أوهايو درجات حرارة تجاوزت 40 درجة، كما امتدت موجة الحرارة لتشمل العديد من الولايات الأميركية الأخرى كتكساس وأوكلاهوما ومينيسوتا ولويزيانا ونبراسكا وميشيغان ونيوجيرسي وتجاوزت الحدود الشمالية للبلاد لتبلغ مناطق من أونتاريو ومانيتوبا الكنديتين.
في مدينة كانساس سيتي (Kansas City)، أكبر مدن ولاية ميسوري الأميركية، غادر الأهالي منازلهم مفضلين قضاء الليل والنوم بالمنتزهات وخاصة منتزهات Swope Park وPenn Valley Park كما لجأ كثيرون نحو دور السينما بسبب احتوائها على وسائل التبريد وتكييف الهواء. أمام هذا الوضع، عدّل أصحاب هذه المراكز المكيفة أسعارهم ورفعوا من قيمة التذاكر، فقدر سعر الدخول بالفترات الصباحية بـ10 سنتات وارتفع مساء ليبلغ أرقاما استقرت غالبا عند الـ40 سنتا. أيضا، عمد أصحاب المحلات التجارية المزودة بأجهزة تكييف الهواء لاستغلال الموقف لصالحهم فأقدموا على وضع تعريفة لكل من يرغب بالاستمتاع بالهواء البارد طيلة اليوم. من جهتها، وفرت العديد من المصانع المحلية الثلج للمواطنين مقابل سنت واحد للرطل.
وقد عاشت بقية المدن الأميركية على وقع وضع مشابه، حيث أقبل الجميع على النوم في الحدائق ليلا وتحولت النافورات لمسابح للأطفال وقفز كثيرون بالوديان والأنهار هربا من الحرارة المرتفعة. كما لجأ رجال الحماية المدنية لضخ المياه بالشوارع لتبريدها. فضلاً عن ذلك، امتلأت ثلاجات الموتى بالجثث، ويومياً خصصت العديد من الجرائد صفحة بأكملها لذكر أسماء الموتى بسبب موجة الحر.
مع حلول منتصف شهر آب/أغسطس سنة 1936، انخفضت درجات الحرارة بشكل طفيف قبل أن تعود لمستواها العادي مع بداية شهر أيلول/سبتمبر من نفس السنة.
خلّفت موجة الحر لعام 1936 والتي استمرت لقرابة الشهرين نتائج كارثية فأسفرت عن وفاة ما يزيد عن 5000 أميركي وألف كندي، أغلبهم من الكبار في السن، فارق جلهم الحياة بسبب الإرهاق أو غرقاً بالأنهار والوديان. كما عرفت الولايات المتحدة الأميركية خلال نفس الفترة موسماً زراعياً سيئاً تسبب في ارتفاع أسعار القمح والذرة.