في خضم هجوم فيستو – أودر (Vistula–Oder) أواخر الحرب العالمية الثانية، تمكّن الجيش الأحمر السوفيتي خلال شهر يناير/كانون الثاني 1945 من دخول معسكر الإبادة الألماني أوشفيتز (Auschwitz) الموجود بمدينة أشفنشم (Oświęcim)، المعروفة بأوشفيتز لدى الألمان، الواقعة على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة كراكوف (Kraków) في الجنوب البولندي.
ومع اجتيازهم لأبواب المعسكر وتجوّلهم بمختلف باحاته وغرفه، ذهل الجنود السوفيت من هول ما شاهدوه، حيث لم يكن أي منهم على دراية بوجود معسكر إبادة بالمنطقة كما لم تكن عملية تحرير المعسكر ضمن أجندتهم.
وفي حدود الساعة الثالثة مساء يوم 27 يناير/كانون الثاني 1945، حلّت فرقة المشاة رقم 322 السوفيتية عند معسكر أوشفيتز بعد معارك ضارية مع الألمان حول معسكر مونوفيتز وبيركناو وأوشفيتز 1 ومدينتي أشفنشم وبرزيزنكا (Brzezinka) انتهت بمقتل ما يزيد عن 200 جندي سوفيتي.
غرف غاز وتجارب طبية
ومع دخولهم معسكر أوشفيتز، تفاجأ السوفيت بوجود مكان مقفر وفارغ قبل أن يستقبلهم لاحقا العديد من الأسرى، عانى أغلبهم من مظاهر سوء التغذية وكانوا أشبه بجلد على عظم، الذين أقبلوا نحوهم باكين ليعانقوهم ويقبلوهم.
مع مواصلة جولتهم داخل المعسكر واكتشافهم للعديد من الجثث، تفاجأ السوفيت بوجود مخازن ومستودعات احتوت على أعداد هائلة من الثياب قيل إنها تعود لما يزيد عن مليون شخص، رجال ونساء وأطفال، فارقت النسبة الكبرى منهم الحياة بين جدران المعسكر سواء داخل غرف الغاز أو عن طريق التجارب الطبية التي أجريت على البشر أو بسبب سوء المعاملة والإعدام رميا بالرصاص.
أيضا، عثر المسؤولون السوفيت داخل بعض المستودعات على أطنان من الشعر التي عمدت قوات الأس أس لجمعها عن طريق حلاقة رؤوس نزلاء معسكر الموت بأوشفيتز.
معسكرات موت
إلى ذلك، فكّر النازيون منذ أشهر ببدء عملية إخلاء معسكر أوشفيتز تزامنا مع تقدم الجيش الأحمر السوفيتي، إلا أنهم تراجعوا عن الأمر واتجهوا لإستغلاله لأكثر وقت ممكن بسبب احتوائه على عدد كبير من المعتقلين الذين وفّروا يد عاملة مجانية للألمان حيث استغل النازيون نزلاء المعسكر وعاملوهم كعبيد فأجبروهم على إنجاز العديد من الأعمال الشاقة والمرهقة وأعدموا كل من عجز عن العمل.
ومع عدم تيقنها من اقتراب السوفيت أواخر العام 1944، باشرت قوات الأس أس (Schutzstaffel) النازية بعملية إخلاء جزئية لمعسكر أوشفيتز فعمدت لنقل عشرات الآلاف من نزلائه نحو معسكرات موت أخرى موجودة بالداخل الألماني.
وعلى الرغم من ترددهم حول إمكانية القيام بعملية إخلاء جماعية للمعسكر، باشر النازيون بالتخلص من كل ما من شأنه أن يدينهم ويظهر جرائمهم للعالم فباشروا في البداية بإعدام كل اليهود الذين عملوا على بناء غرف الغاز وأفران حرق الجثث واتجهوا لتخريب وتدمير مواقع الإعدام وغرف الموت والتعذيب، كما عمد جنود الأس أس للتخلص من الأفلام التي صوّروها في وقت سابق حول حياتهم بأوشفيتز.
ومع دخول السوفيت لكراكوف، اتجهت قوات الأس أس لإخلاء معسكر أوشفيتز بشكل نهائي فاصطحبت ما يعادل 60 ألفا من نزلاء المعسكر ضمن ما عرف بمسيرات الموت سيرا على الأقدام نحو الداخل الألماني. وفي طريقهم لم يتردد جنود الأس أس في إعدام كل من عطّل تقدمهم وقد أسفر ذلك إضافة للطقس البارد والجوع عن وفاة ما لا يقل عن 15 ألفا من هؤلاء الذين تم ترحيلهم من أوشفيتز.
ناجون يرون أهوال ما عاشوه
إلى ذلك، ظلّ بضعة آلاف من المعتقلين داخل المعسكر عقب إخلائه بسبب حالتهم الصحية السيئة وقد التقى هؤلاء بالجنود السوفيت ورووا لهم أهوال ما عاشوه بأوشفيتز. وتعاطف السوفيت وسكان القرى القريبة مع هؤلاء الناجين فاتجهوا لمد يد العون إليهم كما سارع الصليب الأحمر البولندي بالتدخل لإنقاذهم.
ما بين عامي 1940 و1945، تسبب النازيون في موت نحو 1.1 مليون شخص بأوشفيتز كانت النسبة الساحقة منهم من اليهود. وسنة 1947، شهد نفس المكان عملية إعدام العقل المدبر لعمليات الإبادة بالمعسكر.
فبعد شهادته بمحاكمة نورمبرغ، مثل رودولف هووس (Rudolf Höss)، الذي شغل منصب قائد معسكر أوشفيتز لأكثر من 4 سنوات، أمام المحكمة ليصدر في حقه حكم بالإعدام شنقاً جرى تنفيذه يوم 16 نيسان/أبريل 1947.
وبفضل عدد القتلى الهائل والأهوال التي شهدها، تحوّل معسكر أوشفيتز لأشهر معسكرات الموت النازية كما أصبح لاحقا متحفا أقبل نحوه كثيرون وصنفته اليونيسكو كموقع تراث عالمي.