أخبار عاجلة
حادث سير مروّع على طريق درعون -

إخفاء رأس جثة من أجل البقشيش.. من فظاعات العثمانيين

عُرفت الانكشارية، كواحدة من أشرس التنظيمات العسكرية العثمانية وأكثرها دموية، والتي تعزى إليها، انتصارات مختلفة حققها سلاطين بني عثمان، وكذلك كانت من جملة ما ساهم بضعف وتحطيم دولتهم، وفقاً لما اطلعت عليه "العربية.نت" في كتب مختلفة، منها كتاب "دور الانكشارية في إضعاف الدولة العثمانية" لأماني صالح الغازي، وكتاب "الانكشاريون في الإمبراطورية العثمانية" لإيرينا بيتروسيان.

وفي تفاصيل تسبب الإنكشارية بإضعاف العثمانيين ثم اندحارهم عن المنطقة العربية بعد حصول تطورات مختلفة لاحقة، فإنهم فرقة مدربة على القتال وارتكبت مختلف أعمال السلب والنهب وتصفية حتى قادتهم، وتم تشكيلها في واحدة من أعنف أساليب إعداد المقاتلين، عبر التاريخ العسكري العالمي، حيث يؤتى بعناصرها صغاراً، إن كانوا أيتاماً، أو يكونون من جملة المأسورين في معارك، أو من الذين تم الظفر بهم، من خلال مبدأ الضريبة البشرية، وهي دفع أهالي بلدان احتلها العثمانيون، لتقديم ضريبة، من الأبناء، وأمام عيون أمهاتهم وآبائهم.

الإنكشارية من الأطفال

وبحسب ما طالعته "العربية.نت" في كتب تحدثت عن تأسيس الانكشارية، فإن المدافعين عن الاجتياح العثماني للمنطقة العربية، يتهربون من الاعتراف بظاهرة إرغام الأهالي على تقديم أطفالهم، كضريبة بشرية، إلا أن الأتراك أنفسهم، تحدثوا عنها، وإن بصيغة مخففة. وأقر موقع قناة (تي. آر. تي) التركية الناطقة بالعربية، أن تأسيس الانكشارية في الأصل، كان من الأطفال المشردين أو الأطفال الأيتام الذين سقط آباؤهم في الحروب، أو من الأطفال الذين يقدمهم أهلهم "طواعية" للانخراط في الانكشارية.

ونفذت الإنكشارية العدد الأكبر من مذابح الدولة العثمانية، إلا أن خطرها ضرب قلب النظام العثماني نفسه، فتم العمل على إنهائها مرات عدة، لم تنجح، حتى عام 1826 للميلاد، حيث تم تدمير مقارها وقتل أغلب قادتها أو نفيهم، ثم فرار العدد المتبقي منهم، فقد كان الجيش العثماني "موزعاً ومفرقاً إلى عصابات أشبه ما تكون بالميليشيات" بحسب (تاريخ الدولة العثمانية) للمؤرخ التركي يلماز أوزتونا، وكتاب (تاريخ الدولة العلية العثمانية) لمحمد فريد بك المحامي.

ومن جملة ارتكابات الإنكشارية التي كانت في غالبها مذابح بحق العرب وغير العرب، تبرز قصة قتل طاهر باشا الذي حكم مصر أياماً معدودات.
مؤرخون جدد، كتبوا قصة مقتل طاهر باشا، بقطع رأسه، ثم دفن جثته، بدون رأس. كما في (الجالية المخفية، فصول من تاريخ الألبان في مصر) لمحمد الأرناؤوط. وفي مثل هذا الكتاب، وردت قصة قطع رأس طاهر باشا ودفنه بدونها، بدون الإشارة إلى "همجية" الإنكشاريين في تتمة القصة التي كان سبق وفصّلها المؤرخ المصري عبد الرحمن بن حسن الجبرتي، في كتابه الشهير (عجائب الآثار في التراجم والأخبار).

إخفاء الرأس من أجل البقشيش!

اتهم الإنكشاريون طاهر باشا المذكور، بعدم مساواتهم في الأجور، مع أقربائه من الأرناؤوط الذين قال عنه الجبرتي إن الإنكشارية تتكبّر عليهم وتتعامل معهم بصفتهم أتباعاً لهم وخدماً، بحد تعبير المؤرخ المشهور، على خلفية أن الانكشارية "فخذ السلطنة" العثمانية. فقامت الانكشارية التي حشدت قرابة ثلاثمائة جندي، على منزل طاهر باشا، بالهجوم عليه، وحرق مكانه، بعدما قام اثنان من قادتها، وهما إسماعيل آغا وموسى آغا، بقطع رأس طاهر باشا، ثم رميها بعيداً، بتاريخ 16 أيار/ مايو 1803.

وحسب المصادر السابقة، فإن رأس طاهر باشا المقطوعة، اختفت ولم يمكن العثور عليها، فقام أنصار طاهر، بدفن جثته بدون رأس، بعدما عجزوا من العثور عليها.

ويشار إلى أن المؤرخ الجبرتي كان ذكر حقيقة اختفاء رأس طاهر باشا، لكن بعض المؤرخين الجدد، كما اطلعت "العربية.نت" تجاهل تفاصيل المؤرخ الذي عايش الحادثة وكان شاهداً على بعض أجزائها.

يكشف الجبرتي حقيقة اختفاء رأس طاهر باشا، عندما ظهرت فجأة، بين يدي عناصر من الإنكشارية الذين سبق لهم وقتلوا الرجل، من أجل تقاضي البقشيش: "وأخذ بعض الينكرجية رأسه، وذهبوا بها ليوصلوها إلى محمد علي [باشا] ويأخذوا منه البقشيش!"

وتوضح التفاصيل التي أوردها الجبرتي، أن جثة طاهر باشا لا تزال تنتظر رأسها، في القبر، حيث أصرّت الإنكشارية العثمانية على تقاضي "البقشيش" ثمناً أو مكافأة لهم. وفيما هم يحملون الرأس، عرفت جماعة طاهر باشا أن رأس جثته بين أيدي الإنكشارية هؤلاء، فغافلوهم في الطريق، ثم استولوا على الرأس المقطوعة، بعدما قاموا بقتلهم. يقول الجبرتي.

بعدها، قامت جماعة طاهر باشا، بنبش قبره، ثم إعادة الرأس إلى الجثة، ودفنهما معاً من جديد.

لكن الجبرتي المعروف عنه المعاينة والدقة، ذكر أن طاهر باشا نفسه، لم يكن يقل دموية عن قاتليه الإنكشاريين، بل قال عنه: "ولو طال عمره زيادة على ذلك، لأهلك الحرث والنسل". وورد في (الجالية المخفية..) السابق ذكره، أن أتباع طاهر باشا، عمدوا إلى "الانتقام من العسكر الأتراك الذين كانوا وراء اغتيال طاهر باشا".

مصادر أخرى، منها رواية تاريخية باسم (خريف المحروسة) لمحمد كامل، قالت إن "ضابطين عثمانيين" قطعا رأس طاهر باشا، ثم قاما برميها من النافذة، لتسقط على أنصاره، فيما الجبرتي كان أكد أن طاهر باشا عندما قتل لم ينتبه أحد لذلك.

إلا أن "البقشيش" الذي تحدث عنه الجبرتي، ثمناً للرأس المقطوعة، تكشف، بحسب ما لاحظه دارسون كثر للحقبة العثمانية، الطبيعة "المتوحشة" التي وصلت إليها الانكشارية، حيث قتلت مسؤولاً عثمانياً، من أجل المال، ثم سعت لتقاضي "البقشيش" على رأسه مكافأة، فيما الإنكشارية، وصاحب الرأس المقطوعة، هما في أساس الدولة العثمانية نفسها، خاصة وأن القتيل كان من الإنكشارية هو الآخر!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى