أخبار عاجلة

احبس أنفاسك.. المخابرات العثمانية جنّدت حتى هؤلاء!

اعتمدت السلطات العثمانية، على جمع المعلومات الخاصة بالأمن والجيوش وأحوال الناس والوضع الاقتصادي، على أكثر من مصدر، إلا أن المصدر الأهم، من خارج موظفي الدولة كالقضاة والولاة، كان عبر التكايا المنتشرة في جميع أرجاء المناطق التي سيطر عليها العثمانيون.

والتكايا، هي أمكنة اجتماع دينية الطابع، يحضر فيها طلبة العلم والمتدينون والمتصوفون والأدباء ونخبة المجتمع التي تزوره في بعض الأحايين، لاكتساب "سمعة" إيجابية داخل وسط اجتماعي يحكم على الأشخاص، تبعاً لمظهرهم الديني.

ويقر السلطان العثماني المشهور، عبد الحميد الثاني (1842-1918) للميلاد، في مذكراته التي نشرت أكثر من مرة، بداية من نشرها باللغة التركية العثمانية، في مجلة (عطارد) ما بين عامي 1335 و1337 هجرية، ثم نشرت عبر دار نشر تركية، في كتاب عام 1338ه، إلى نشرها عام 1975 للميلاد، في تركيا، بأن التكايا كانت جزءا من استخبارات الدولة العثمانية، في المنطقة، إلا أنه يشير إلى إضافة عناصر آخرين، إلى الاستخبارات العثمانية، وهم الدراويش!

ويؤكد السلطان عبد الحميد الثاني، أن الدراويش أصبحوا رسمياً، في الاستخبارات العثمانية، منذ القرن الثامن عشر، على يد جدّه السلطان محمود الثاني الذي ولد عام 1784 للميلاد.

ويقول عبد الحميد المذكور، إن معرفة الكيفية التي تفكر فيها الرعية، تتم عبر ما يصفه بـ"العرف العثماني" الذي هو جمع المعلومات من التكايا المنتشرة في ربوع البلاد بمشايخها ودراويشها، كما قال مضيفا، إنه عبر تلك القنوات يتم جمع الأخبار، ثم تدار البلاد على أساسها.

ويظهر من خلال مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني، والتي اطلعت عليها "العربية.نت" من طبعتها الثالثة، في دمشق عام 1991، الصادرة من دار القلم، بتقديم الدكتور محمد حرب، وتعدّ بحسب المحققين، من أفضل طبعات مذكرات السلطان العثماني، كونها اعتمدت على نسخها السابقة، وصححت ما شابها من أخطاء تاريخية ولغوية، بأن جمع الأخبار من طريق الدراويش، الذي كان عرفاً عثمانياً، كان يتم في شكل عفوي، قبل السلطان محمود الثاني الذي "أضاف" الدراويش الرحَّل، إلى استخباراته، في شكل رسمي.

ويقول عبد الحميد في هذا الصدد: "جدّي، السلطان محمود، وسّع دائرة مخابراته، بإضافة الدراويش الرُّحَّل إليها. كان هذا هو الموقف عندما اعتليتُ العرش، وعلى ذلك استمرّ".

لكن الفترة المضطربة التي حكم فيها عبد الحميد، ومجمل الصراعات الداخلية التي خاضها مع أحزاب تركية ومع قوى أرمنية معارضة لحكمه من الداخل والخارج، جعلت جهاز استخبارات جده المعتمد على الدراويش الذين يطوفون في البلاد، مؤسسة غير آمنة بسبب تداخل الولاءات فيها، وعمليات الاختراق التي ضربتها من كل جانب، فقرر عبد الحميد تأسيس جهاز استخبارات يتبع له، وأطلق "أعداء" السلطان على هذا الجهاز اسم "الجورنالجية!" كما يقول هو في مذكراته.

لكن عبد الحميد لم يكن يثق تماما حتى بجهاز الجورنالجية الذي أسسه كاستخبارات مرتبطة بشخصه مباشرة، فأقر أن بعض المنتمين إلى هذا الجهاز، هم من "المفترين!" وبأنه لم يكن يعتبر أي معلومة تأتيه من الجهاز الذي أسسه، موثقة، إلا بعد تحقيق دقيق، كما قال.

والدراويش بالمنطق التركي العثماني، تاريخياً، هم جزء من ظاهرة الطرق الصوفية والروحية التي تعامل معها العثمانيون كقوة معنوية تخدم أهدافهم التوسعية في المنطقة. واحتلّت التكايا موقعاً كبيراً في تأمين أهداف الدولة العثمانية حيث كانت المكان الذي يخصص لتزويد الأفراد بطاقة روحية عالية خاصة في القتال والحروب، ثم تاليا تحويلها مقرات لجمع الأخبار، كما قال السلطان.

أمّا مصطلح الدراويش السائد في المنطقة العربية، فهو يشتمل على جميع مظاهر الفعاليات الروحية وبعض مظاهر السلوك الشخصي غير الاعتيادي، مضافاً إليها، التنقّل عبر البلاد، من مكان إلى آخر، ولهذا كانوا يسمّون الدراويش الرّحَّل، كما وصفهم السلطان عبد الحميد، وكان تنقلهم، هذا، أساس مقدرتهم على جمع المعلومات دون أن يثيروا الريبة.

وأصبح للدراويش، أكثر من صورة تبعاً لأذهان المتلقين، فاكتسبوا دلالة سلبية عند بعض المستشرقين، فيما مستشرقون آخرون تعاملوا مع ظاهرة الدراويش على أنها من آثار الفرس والترك في المنطقة العربية أو في المدن العربية التي اختلط فيها مفهوم الدراويش اختلاطا شديداً، وصار يدل على أشياء متضاربة. إلا أن الثابت تاريخيا أن التكايا، أسسها العثمانيون، وضخوا فيها الدراويش، ثم تم تجنيد بعضهم في جهاز الاستخبارات العثمانية، كما قال السلطان عبد الحميد الذي أكد أنه ارتقى العرش، وكان الدراويش لا يزالون جزءا من الاستخبارات العثمانية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى