أخبار عاجلة

يوم اجتاحت علامة "صنع في ألمانيا" بيوت البريطانيين

خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مرت بريطانيا، التي توصف بـ"البلد الأم للثورة الصناعية"، بأزمة اقتصادية سببتها السلع الأجنبية التي تدفقت إلى البلاد.

فمنذ سنوات طويلة، عرفت بريطانيا بجودة منتجاتها، بسبب اليد العاملة الوفيرة والتطور التكنولوجي والموارد الطبيعية الهامة التي أتيحت للبريطانيين بفضل إمبراطوريتهم الاستعمارية الواسعة.

وقد حافظت بريطانيا على مكانتها هذه لعقود مديدة، إلى أن سجّلت أوروبا ظهور عملاق صناعي آخر، سرعان ما تحوّل للمنافس الأول للصناعة البريطانية.

ولم تكن تلك الأمة الصاعدة سوى ألمانيا.

خريطة تبرز المستعمرات البريطانية مطلع القرن العشرين
بسمارك والحلم الألماني

فقبل عام 1871، كانت ألمانيا مقسمة إلى مجموعة من الدويلات الصغيرة القابعة تحت نفوذ القوى الأجنبية، العاجزة عن منافسة القوى الصناعية العالمية مثل بريطانيا وفرنسا، بسبب ارتفاع الضرائب ونقص الموارد وغياب التنسيق والتفاهم فيما بينها.

لكن مع حلول عام 1871 تغيّر الوضع تماماً، حيث نجح المستشار البروسي أوتو فون بسمارك (Otto von Bismarck) في تحقيق الحلم الألماني، وتوحيد تلك الدويلات، لتشهد أوروبا إثر ذلك ظهور قوة اقتصادية وصناعية جديدة.

وبالتزامن، لم تتردد العديد من المؤسسات الألمانية العملاقة في تقليد المنتجات البريطانية لزيادة نسبة الإقبال على بضاعتها.

صورة للمستشار الألماني أوتو فون بسمارك خريطة تجسد الدويلات الألمانية قبل الوحدة
الجواسيس الصناعيون

فقد أقدم الخبراء وأصحاب المشاريع الألمان، الذين لقّبوا بالجواسيس الصناعيين، على زيارة المصانع البريطانية للاطلاع على تقاليد العمل بها.

وأقدم رجل الأعمال الألماني وصاحب مؤسسة كروب للفولاذ ألفرد كروب (Alfred Krupp) على دخول بريطانيا، مستخدما هوية مزورة قبل أن يبدأ بمهمة زيارة المصانع وتدوين الملاحظات.

وعقب تحقق الوحدة سنة 1871، شاهد البريطانيون تدفق السلع الألمانية على أسواقهم بشكل سريع.

صورة من داخل أحد مصانع الفولاذ الألمانية
أزمة تجارية

وشهدت بلاد الإنجليز أزمة تجارية بسبب المنتجات الألمانية الرخيصة، والمشابهة للمنتجات البريطانية ما شجع البريطانيين على الإقبال على السلع الألمانية، مقابل التخلي عما تنتجه مصانعهم.

في المقابل، ثارت ثائرة المسؤولين البريطانيين، عندما سجّلت العديد من أدوات المائدة، كالسكاكين والملاعق، الألمانية الصنع انتشاراً واسعاً في البلاد، لتنافس بذلك ما أنتجته بريطانيا تحت علامة Sheffield Made ، فطالب هؤلاء الحكومة البريطانية بالتحرك لتجنب فقدانهم لحرفييهم.
إلى ذلك، واجهت السلطات البريطانية مشكلة أخرى.

فخلال بداية توافدها، تميزت البضائع الألمانية بجودتها الرديئة وثمنها الرخيص، لكن مع مرور السنين تمكّن الألمان من تحسين جودة إنتاجهم، مع المحافظة على الأسعار الرخيصة، فضلا عن ذلك كانت أصول العلامات التجارية غير واضحة على السلع الألمانية، ما جعل عملية تمييزها عن المنتجات البريطانية صعباً، وبسبب كل ذلك توافد البريطانيون على هذه المنتجات الأجنبية متخلين عما كانت تنتجه بلادهم.

صورة تجسد إعلان وحدة ألمانيا بقصر فرساي بفرنسا عام 1871
"صنع في ألمانيا"

أمام هذا الوضع المتأزم، مرر البرلمان البريطاني سنة 1887 ما عرف بقانون Merchandise Marks Act. فقد أجبرت السلطات البريطانية بموجبه، المصانع الأجنبية على تحديد مصدر منتجاتها، وذكر اسم البلد المصنّع قبل تسويقه بالبلاد.

وعبر هذا القرار، حاول المسؤولون البريطانيون تحديد منتجات بلادهم بالأسواق إيمانا منهم بحتمية إقبال المواطنين عليها.

لكن بدل ذلك، حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث تفاجأ البريطانيون بحجم المنتجات الألمانية التي كانوا يعتمدونها في حياتهم اليومية، إلا أنهم لم يترددوا في مواصلة الإقبال على تلك السلع الأجنبية.

وساهم توافد البريطانيين على السلع الألمانية، في جعل البضائع الحاملة للعلامة "صنع في ألمانيا" علامة عالمية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى