أخبار عاجلة

'الوطن موجوع والعالم عم تبكي'

'الوطن موجوع والعالم عم تبكي'
'الوطن موجوع والعالم عم تبكي'

ليست المشكلة في بكاء الناس وحسب. المشكلة أن أحداً لا يسمع، حتى إن استحال ما يفعله سكان هذا البلد، نحيباً. ووصف الواقع الراهن ليس كمعايشته. لا يمكن، في العادة، تأطير الحزن بكلمات. فكيف إذا كان مرفقاً بوجع؟

اللبنانيون، يا أهل السياسة والقرارات، موجوعون. ولا، على رفوف هذه الجمهورية، أدوية تخفف الألم. في البلد وباء. وطاعون لقمة العيش، صعبٌ أن يُباد.

على عتبة العام 2019، شعب لبنان يشعر بالجوع. والجوع وجع. الجوع يحفر في الكرامة كما تقضم الكسارات الجبال. لكن، أحدٌ لا يوقف هذا التخريب.

تقول المعلومات إن أكثر من 2500 مؤسسة مختلفة قد أقفلت أبوابها. يعني، الآلاف من الموّظفين في منازلهم. بلد بطالة. وبلدٌ، لا يُدرك أصحاب القرار والمراكز فيه، ماذا يرتكبون. إنها دوّامة حرب خبيثة، لا تُرى ولا تُلمس، كغاز السارين.

ملّ اللبنانيون من النقّ. بل الأصحّ أنه، في حضرة الوجع، لا يعود من متسّع للغضب. يُصبح من أقوى التمنيات، التمكن من النوم على وسادة هادئة. بلا أنين. بلا كوابيس تستمدّ سوداويتها من قلق يوميّ حول مستقبل قاتم، لا أفق فيه، ولا حتى نفق. إننا، يا سادة، تحت سابع أرض، وليس في نفق يقصّ الزفت.

تتجوّل في شوارع لبنان، فتبدو أشبه بمآتم عزاء. تتحدث مع أحدهم، فيُخبرك فوراً عن حلم فيما لو تحقق، فقد يعيش حياة مؤجلة. مؤلمٌ أن يُختصر حلم اللبناني، "مُصدّر الحضارة والحرف"، بحقيبة هجرة. لم تعدّ الوجهة ذات أهمية. كلّ بلدان العالم أرحم. يُخبرك أنه، هنا، في بلد الديون والصفقات والفساد والموتورات والحقوق المنسوفة بفواتير ملغومة ومدوبلة وتمديدات برلمانية وتعطيل حكومي ومؤسساتي... أنه ميت. مجرد هيكل عظمي يتحرّك. وأنّ قرقعة عظامه حتى، لا يسمعها أي مسؤول. أصلاً، لا مسؤول هنا. أحدٌ لا يتحمل، مسؤولية. يُخبرك انه، في بلد المحاصصات والنشرات الإخبارية الخالية من أخبار مفرحة، وبلد العتمة والظلام والظلم والقبور الكثيفة والصراعات الطائفية والتجاوزات الدستورية، انه ليس حياً يُرزق. لا رزقة، يا جماعة! هل من يعي أنّ اللبنانيين يختنقون بحال إقتصادية سوداء في هذه الأيام؟!

المصيبة، أنه لم يعد أمام اللبناني من مجال للنجاة. هذا ما يشعر به. لقد توّرط. توّرط في مصائبه وأوجاعه وهمومه حدّ أن بات البعض يشعر بلذّة. واللذّة مخدّر يقضي على الثورة. تغطي الزبالة مختلف المساحات، فيشقّ بحذائه طريقاً ليعبر. المهم أن يمضي في طريقه حتى إن كانت توصله إلى حاوية نفايات وهلاك. يقطع أصحاب الموتورات عنه النور، فيضيء شمعة ويشكر الدولة على حرصها على تأمين كهرباء بديلة، لا تستطيع بواخر العالم تأمينها، وإن تقاضت الملايين. تُفرض ضرائب جديدة في عزّ وضع اقتصادي صعب ومتدهور، فيذهب إلى صندوقة الاقتراع بمعدة خاوية وينتخب من جعل سعر ربطة الخبز بسعر كرامة. يبقى البلد معلقاً على حبال "شنشطات" التعطيل والإهمال والفساد، فيغسل ثيابه من مياه مجارير وتلوّث يستهلكهما على مدار الساعة.

المصيبة الكبرى أنه، في هذا البلد، لا من يعي خطورة ما يحصل. الوجع قد يستجدي حلم التمكن من النوم بهدوء، لكنه، إن طال، قد يُمزّق أوردة. فهل، يا فخامة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف ورئيس مجلس النواب وجميع أعضاء المجلس النيابي وكلّ من له في لبنان توقيع مسؤول، ستسمحون بحصول إبادة جماعية؟!

إلى كل من يعنيه الأمر، لقد حان وقت صحوة الضمير. لم يعد بمقدور اللبناني أن يحتمل ما أنتم قد وضعتموه فيه. ارحموا من على الأرض، يرحمكم من في السماء.

خذوا، رجاء، هذا الشعب في نزهة من طمأنينة. فلتكن هجرة كما يحلم دائماً. هجرة إلى بلده الذي بات غريباً عنه. بلده الذي لم يعد يعرفه لا في دستوره ولا في قوانينه، ولا في بحره الأصفر ولا برّه المكتظّ ولا شوارعه المكتظّة بسيارات وفوضى. لم يعد يعرفه لا في صفحات الجرائد المتهاوية ولا على "ستاتوسات" فيسبوكية تجعله مجرد نكتة أو مزحة هزيلة. لم يعد يعرفه حتى إن قرأ في كتاب التاريخ أو في دفاتر الإنسانية. بلد لم يعد يعرفه إلا من خلال فاتورة شهرية يبكي أمامها وأمام أطفاله. من خلال صهريج مياه وطوفان الطرقات. من خلال عيون مجرم يرميه برصاصة طائشة. من خلال عداوة يراها في عيني جاره أو حتى شقيقه. من خلال مغترب لا ينوي دوس عتبة منزل الطفولة. من خلال امرأة مقتولة وطفل معنّف. من خلال صوت الفراغ وصدى الحرمان. من خلال حلم يتكرر في صحوته أكثر من منامه.

دعوا هذا الشعب يعيش. الوجع، يا سادة، ليس وجع معدة خاوية وقلق على مستقبل قاتم فيه همّ أقساط المدارس و تأمين الشيخوخة  والبحث عن لقمة عيش وسدّ كمبيالة...الوجع وجع كرامة. الوجع وجع وجود. الوجع وجع وطن.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بري “المستاء” يلتزم الصمت ولا يساجل الراعي

معلومات الكاتب