فتنة الـ 'LIVE' أشد من القتل!

فتنة الـ 'LIVE' أشد من القتل!
فتنة الـ 'LIVE' أشد من القتل!
في سياق مشهد كبير من التعطيل والفراغ الآخذ بتفتيت الوضع السياسي والاقتصادي والأمني وصولاً إلى المجهول، كشفت الأحداث المؤسفة التي حصلت خلال اليومين الأخيرين من بعلبك حتى الجاهلية، أن الدولة ليست بخير، لكنها أيضاً أكدت أن الإعلام يعيش أولويات أخرى لا دخل لها بالمصلحة الوطنية وقيم الشفافية، وكلا الأمرين ليس بجديد أبداً. 

ليس مع حدث الجاهلية فحسب، كثيرة هي المواقف والمحطات التي تفرض التوقف عند مقاربة الإعلام، وخصوصاً التلفزيوني، في التعامل معها، وتحديداً تلك المتصلة بالأمن والاستقرار والسلم الأهلي وحياة البشر والمصير العام. صحيح أن الإعلام بمجمله، مرئياً ومكتوباً والكترونياً، بات لا يتوقف عند تفاصيل التدقيق بالمصدر ومقاطعة المعلومات، وبات غرقاً في سبق اللحظة والسبق والرايتنغ والترافيك وغيرها، لكن ما ظهر على الشاشات خلال اليومين الماضيين خلال عمليات النقل المباشر عكس فضيحة إعلامية مكتملة العناصر، ووضع البلد كله على كف عفريت.

أن يقوم القضاء باستدعاء أي كان، ربما من أبسط وظائفه. الحدث غير العادي في بلد كلبنان حيث تستقوي بعض الأطراف على الدولة وأجهزتها هو أن يتم استدعاء وزير سابق ثم مقتل أحد مرافقيه وفي ذلك فتح شهية للإعلام للمتابعة، وهذا مشروع، لكن ما هو غير مشروع أن تهرع بعض الشاشات للإفادة من هول ما يجري في سباق لزيادة مشاهديها، ولو لامس أداءها وأداء مراسليها أو تجاوز الخطوط الحمر لأي تغطية موضوعية.. وأن يقتحم المراسلون الجنازة، ويستصرحوا أهالي الضحية فوق رأس جثمانه، وأن يفتح الهواء لساعات أمام نعش لكلام عاطفي وتحريك الغرائز وإيقاظ الفتن، ثم عرض رصاصات وأسلحة والتباري في تحليلها وبناء سيناريوات.. فهذا يعني أن ما كان يتم نقله على الهواء مباشر كارثة، ولا عذر بالقول إن ما يجري هو "نقل الحدث"، الصواب أن يقال إن ما يجري هو التخلي عن كل القيم والمسؤوليات والمعايير في نقل الحدث، وتجاوز لكل الأصول المهنية..

وما ينطبق على المسّ بالسلم الأهلي والاستقرار وكرامة الإنسان وحرمة الدماء ينسحب أيضاً على قضايا أخرى تتصل بتعكير علاقات لبنان بأصدقائه وأشقائه والمسّ بالاستقرار المالي ونشر الأرقام والمؤشرات من دون تثبت وغير ذلك.

ما جرى خلال اليومين، وقبله في محطات عديدة، يكشف أن هناك أزمة؛ أزمة أولويات وأزمة تسخيف وخواء، وقلة خبرة في تفنيد ما يعني المشاهد بكل أطيافه، وما يعني العائلة وحدها، ما يسمى خبراً وسبقاً ومسؤولية، وما هو فضيحة وتضليل ومغامرة تستحق الخجل من الذات.

وكأن قدر اللبناني أن يتعايش مع اللادستور، اللاثقة، مع الفراغ، مع التعطيل، مع الفساد والهدر، مع الفتن المذهبية والأمن المهدد. وأن يخضع لـ "المليشيات السياسية" كما سمّاهم البطريرك الراعي، وأن تبقى الدولة حلماً بعيد المنال.. فالحال أن السلطة في لبنان لا تقوى إلا على ضبط مولد كهرباء أو مجرور مجهول.

سقى الله أيام الصحافة وزمانها ورجالها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بري “المستاء” يلتزم الصمت ولا يساجل الراعي

معلومات الكاتب