هذا الأمر تجسد تطوراً في العلاقة بين الرجلين، وانعكس تقارباً وتلاقياً في أكثر من محطة سياسية واجتماعية، وصولاً إلى تأكيد ميقاتي تكراراً وقوفه إلى جانب الحريري في معركة مواجهة عرقلة تأليف الحكومة، مؤكداً رفضه استهداف الحريري أو استهداف صلاحياته أو حشره بخيارات لا يريدها تحت أي ظرف وحجة.
لكن ثمة ما هو أبعد من تفاصيل العملية السياسية وصراع القوى ومسؤولية قيادة المجتمع السني، كان لميقاتي هدف آخر يتجسّد بمعركة الحفاظ على اتفاق الطائف كدستور وحيد متوفر لحماية وصون الحياة الوطنية وعدم المسّ به تحت أي ظرف أو حجة.
وإزاء ما يسّرب أو يتم ترويجه بين حين وآخر عن صيغ وأفكار لإعادة التأسيس، يرى ميقاتي أن لا بديل لاتفاق الطائف أو الخروج عليه ومنه، وضرورة تطبيقه كاملاً بحذافيره ومندرجاته وحمايته من العبثية والشعبوية، لأن البديل عنه إلى الآن هو صراع يستبطن، ربما، التأسيس لحرب أهلية جديدة، وإن كانت لا تعني بالضرورة كالتي عرفها لبنان من سبعينيات القرن الماضي حتى مطلع التسعينات، فالانقسام والانهيار والتفكك والاستقواء والفراغ والتعطيل كلها مداخل توصل لذات النتيجة من تفسخ الدولة وانهيار المجتمع وضياع الصيغة اللبنانية.
لذلك، يرى ميقاتي في المحاولات المتكررة لعرقلة تأليف الحكومة ووضع اشتراطات ومعايير وضوابط لصلاحيات الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بالتشارك مع رئيس الجمهورية محاولةً لاسقاط مفاعيل اتفاق الطائف، وجرّاً للبلاد إلى منزلق مجهول، وهو ما استدعى منه الوقوف صفاً واحداً مع رؤساء الحكومات في دعم مقام رئاسة الحكومة وصلاحيات الرئيس المكلف التي يشغلها حالياً الرئيس سعد الحريري.
من هنا يمكن الاستنتاج أن محاولات فرض تمثيل من هنا، وعُرفٍ من هناك، إنما تستهدف في النهاية، وفق قراءة ميقاتي، استقرار البلد وأمنه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال المسّ بالتوازن الوطني. وهو يعتبر أنه إذا كان هناك من ضرورة لتفسير اتفاق الطائف فلا يجب أن يكون من خلال الضغط والإكراه والتعطيل والتهديد، بل من خلال إجماع وطني يحاكي إجماع إقراره مطلع التسعينات، وتحت سقف المؤسسات الدستورية وعبر حوار بناء وخلّاق وهادئ، وما دون ذلك عبثٌّ واستدعاء للمجهول.