يوم غيّر الخبز التاريخ واندلعت الثورة الفرنسية

بداية من العام 1789، عاشت فرنسا على وقع أحداث ثورتها التي استمرت لنحو 10 سنوات وانتهت مع انقلاب نابليون بونابرت يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1799 وحصوله على منصب القنصل الأول. وفي خضم أحداث الثورة، شهدت باريس يوم 14 يوليو/تموز 1789 حدثاً مهماً، مثّل نقطة اللاعودة، حيث هاجم الباريسيون حصن الباستيل، واستولوا عليه لسببين أساسيين وهما البارود من أجل البنادق والمدافع والقمح لصناعة الخبز.

وعلى مر تاريخ فرنسا، لعب النقص الحاد في محاصيل القمح دورا هاما في اندلاع الاحتجاجات، ولعل أبرزها تلك التي عرفتها مدينة ليون سنة 1529 وعرفت بأحداث التمرد الكبير، والتي اندلعت عقب ارتفاع أسعار القمح بشكل لافت للانتباه عقب موسم حصاد سيئ حيث عمد المحتجون حينها لمهاجمة منازل الأثرياء لسرقة محتوياتها واتجهوا لتخريب المخازن للاستيلاء على محتوياتها من القمح.

صورة تعبيرية

لكن مع بداية الثورة الفرنسية سنة 1789 كان الأمر مختلفاً، حيث اندلعت الأخيرة لأسباب عديدة وقد جاءت أزمة تراجع كميات الخبز وارتفاع أسعاره لتزيد الطين بلّة وتأجج الاحتجاجات. فمنذ ستينيات القرن الثامن عشر، أجرى الملك لويس الخامس عشر إصلاحات اقتصادية نزولاً عند رغبة عدد من مستشاريه ووزرائه ارتفعت على إثرها أسعار المنتجات الزراعية. وبحلول منتصف العقد التالي، واجه ابنه الملك الجديد لويس السادس عشر مشاكل جمّة حيث أدت هذه السياسة الاقتصادية لنقص حاد في الغذاء، تزامناً مع ارتفاع عدد سكان فرنسا في ظرف وجيز.

ومنذ اعتلائه العرش، واجه لويس السادس عشر المصاعب فما بين شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار 1775 شهدت باريس وضواحيها أكثر من 300 تظاهرة احتجاجية، انتهت بمهاجمة مخابز القمح والتجار وعمد كثيرون لاجتياح فرساي قبل أن تنتهي الأزمة خلال الأشهر التالية.

صورة للملك الفرنسي لويس السادس عشر

لكن بحلول ثمانينيات القرن الثامن عشر، تدهور الوضع بفرنسا بشكل غير مسبوق، فتزامنا مع مواسم حصاد رديئة بسبب التقلبات المناخية بالمنطقة عرفت فرنسا تزايداً مذهلاً في عدد سكانها، حيث ارتفع العدد بنحو 6 ملايين نسمة مقارنة بعام 1720. فضلاً عن ذلك، اعتمد الفرنسيون في نظامهم الغذائي على منتجات الحبوب وعلى رأسها الخبز. وعلى حسب تقارير تلك الفترة، حصل الخبز على ما بين 60 و80% من ميزانية أغلب العائلات الفرنسية وبالتالي كانت زيادة ضئيلة في سعر الخبز قادرة على إحداث أزمة بالبلاد.

صورة لنابليون بونابرت

لتدارك أزمة الخبز خلال ثمانينيات القرن الثامن عشر، وصف الوزير الفرنسي ذو الأصول السويسرية، جاك نيكر (Jacques Necker)، الملك لويس السادس عشر بالخبّاز الأول للبلاد وتحدّث عن تناول الملك لنوع رديء من الخبز. إلا أن ذلك لم يكن كافيا لامتصاص غضب الفرنسيين الساخطين على تراجع كميات الخبز بشكل رهيب وارتفاع سعره.

رسم تخيلي للوزير نيكر

خلال شهر أغسطس/آب 1789، حرر المجلس التأسيسي الفرنسي سوق الحبوب المحلية من القيود المفروضة عليه فشهدت البلاد بذلك حالة من الذعر حول إمكانية احتكار البعض للحبوب أو قيامهم بتصديرها نحو دول أجنبية. يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 1789، هاجمت الجماهير الباريسية الغاضبة الخباز دينيس فرانسوا (Denis François) واتهمته باحتكار الخبز ومنع الأرغفة عن الشعب. وعلى الرغم من ثبوت براءته، سحلت الجموع الغاضبة الأخير نحو إحدى الساحات وعمدت لشنقه وقطع رأسه.

خلال هذه الأحداث، تجاهل الملك لويس السادس عشر نصيحة السياسي السابق تيرغو (Turgot) الذي قال له "لا تتدخل بالخبز". كما جاءت الثورة الفرنسية لتؤكد المقولة التاريخية "يمكنك أن تتحكم في الجماهير الغاضبة لكنك لن تسيطر على الجماهير الجائعة".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى