أخبار عاجلة
“الحزب” استهدف ثكنة برانيت -
زيارة فون دير لاين: بنج عمومي لأربع سنوات -

عن لحظة تلفزيونية تجعلنا نخاف ونقلق في منازلنا

عن لحظة تلفزيونية تجعلنا نخاف ونقلق في منازلنا
عن لحظة تلفزيونية تجعلنا نخاف ونقلق في منازلنا
في حلقة تُبثّ مباشرة على الهواء، تابع اللبنانيون مشهداً فاقعاً ومألوفاً في الوقت عينه. مشهدٌ سوف تنتهي على الأرجح مفاعيل قنابله ما إن تهدأ أرض "السوشيل ميديا" التي غرقت بالمواقف والتعليقات المؤيدة والمعارضة، لكنّه، بأبعاده ودلالاته وما يخفيه بين السطور، قد يبقى شبحاً يسكن منازلنا ويعيث بها خوفاً وقلقاً.

منذ منتصف ليل الثلاثاء وحتى الساعة، لا يزال الرأي العام اللبناني على وجه التحديد، منشغلاً بجبهة "الحرب" الكلامية التي اندلعت في الدقائق الأخيرة من حلقة "منّا وجرّ"، بين الضيف الفنان السوري علي الديك والناقد اللبناني سلام الزعتري، أحد أفراد "عائلة" البرنامج. على مواقع التواصل الاجتماعي، فُتحت "جبهات" عكس مضمونها واقعاً، يستدعي فعلاً التوّقف عنده والتأمل فيه.

من يتابع تفاصيل حفلة الأسئلة والتعليقات والنقاشات التي سجلّت في "الميديا" التقليدية والاجتماعية، سوف يلحظ تركيزها على الشكل أكثر من المضمون، أو بالأحرى مما تخفيه من وقائع مخيفة. ومع هذا، فإن الأمرين مرتبطان ببعضهما حتماً.

 في وقائع المشهد الفاقع والمألوف، ضيفٌ معروفة ميوله السياسية وآراؤه السياسية، يجيب عن سؤال أسقطه مقدم البرنامج (بيار ربّاط) على طاولة نقاش لا "تتعاطى" السياسة، وبالكاد القضايا الإجتماعية الشائكة. هل كان السؤال عفوياً ومن خارج سياق المعدّ مسبقاً؟! أم كان فعلاً في جملة الأسئلة الموضوعة سلفاً وهدف إلى مناقشة قضية وطنية لا سياسية؟! في كلا الحالتين، كان يُفترض أن تكون إجابة الضيف معروفة بالنسبة إلى المحاور والقائمين على المحطة (MTV) ككلّ. ليس علي الديك فناناً يخفي مواقفه السياسة، ولطالما جاهر بحبه لوطنه، بل للنظام الحالي الحاكم في سوريا.

والحال أن إجابته كانت طبيعية. في الواقع، قضية الجولان هي قضية وطنية بصرف النظر عن طبيعة النظام الممسك بالسلطة. هل كان يُنتظر مثلاً منه، أو من أي فنان سوري أو عربي آخر، أن يبارك للعدوّ الإسرائيلي "الهدية" الأميركية؟! ربما كان الموضوع سينتهي هنا. سؤال و"ردّ غطاه"، فتصفيق من الجمهور. لكن، في وقائع تلك اللحظة التلفزيونية، أنّ الزعتري أطلق "رصاصة" اتضح أنها متفجرّة. "النظام باع الجولان"، جملة كانت كفيلة بإشعال غضب الضيف، مع أنها تُكتب وتقال يومياً بأقلام وحناجر محللين وصحافيين ومتابعين للوضع السياسي. جملةٌ يصونها ربما مبدأ حرية التعبير وإبداء الرأي، مع أنها لم تكن في محلها. فلا البرنامج بطابع سياسيّ ولا الظرف (حلقة مباشرة على الهواء) والتوقيت (تزامناً مع القرار الأميركي) يسمحان بذلك. على الأرجح، كان يعلم الناقد المحنّك أن ما تفوّه به سيستدعي نقاشاً وأخذاً وردّاً، لكن هل كان يتوّقع ردّ فعل "الديك" الغاضب حدّ عزمه الانسحاب من الحلقة؟

طبعاً، استغلّ الضيف هذه اللحظة لعرض عضلاته الوطنية... والسياسية! اقتنص الفرصة للمجاهرة بمدح النظام السوري بشخص "أسده"، فيما كان مقدّم البرنامج يقبلّ رأسه راجياً إياه عدم الانسحاب ومحاولاً تهدئة الأوضاع. انسحب الزعتري، فأنقذ الوضع وحفظ كرامته وانتصر لحرية التعبير. راح الديك يجود مديحاً للنظام ويغني لسوريا وسط تصفيق حارّ من الجمهور والمجتمعين حول طاولة "منا وجرّ". انتصر هو الأخير لوطنيته وموقفه السياسي. وفي لحظة كانت فاقعة أكثر من المشهد كلّه، نادى رباط على الزعتري محاولاً إقناعه بالعودة إلى الاستوديو، فصرخ الديك: "والعدرا ما بيرجع"!

طبعاً، كان من البديهي أن ينصبّ النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مجالس اللبنانيين على نقاط وتساؤلات معيّنة على شاكلة ما إذا كان رباط قد تصرّف بطريقة صحيحة أم ما إذا كان انسحاب الزعتري ينمّ عن احترام أم عن نقمة…

لكن الأكيد أنّ تلك اللحظة التلفزيونية كشفت النقاب عن واقع مقلق. ما حصل في "منّا وجرّ" يعكس بوضوح الانقسام السياسي الحادّ في البلاد، في وقت ما تزال سوريا تشلعّها الحروب وما زال لبنان يتلقى الشظايا ويتهاوى ويحتضر.

في الشكل، لم يرتكب أحد خطأ مميتاً في خلال الحلقة، باستثناء خطيئة الديك عندما صاح مهدداً بالرحيل في حال عودة الزعتري. لم يقابل الأخير الاحترام الذي أظهره القائمون على البرنامج تجاهه كضيف مصان، باحترام يفضي إلى عودة فرد من "العيلة" إلى كرسيه، وبالتالي محاورته ومناقشته بمنطق ووعي.

في الوقت نفسه، سقط الجميع في أخطاء ولو من دون قصد. فمثلاً، لم يفلح الزعتري بتقديم برهان على "بيع النظام للجولان"، حتى لو كان تعبيره مجازياً. وأيضاً، لم يكن من الصواب إعطاء إسرائيل صكّ ملكية بالمجّان، حتى لو لم يكن هذا هو المقصود. في المقابل، لم يحترم علي الديك مشاعر شريحة كبيرة من اللبنانيين عانت الأمرّين من نظام حكم لبنان تحت مسمّى "الوصاية السورية"، وما زال حتى الساعة يتهدد مصائرهم وأرزاقهم وأعناقهم، بطرق مباشرة أو غير مباشرة. على هذا النحو، كان تبجيل الأسد الذي ما زال متمسكاً بالحكم رغم كلّ الموت والتهجير والدمار الذي لحق بالسوريين وبسوريا ورغم كلّ ما مارسه نظامه في لبنان، خطيئة لن يغفرها على الأرجح كثيرون من اللبنانيين الذين أرهقهم اللجوء السوري غير المنظم (الملامة لا تقع على اللاجئين أنفسهم طبعاً)! أما قبلة بيار التي طبعت رأس الديك صائحاً "الأسد"، فقد تدفع المتوجعين من النظام السوري وجرائمه التي توثقها دول العالم وتسعى إلى محاسبته عليها، إلى تسميته بـ "يهوذا العصر".

وسط كلّ هذا، يتضح أن الواقع المعيوش في لبنان اليوم يستدعي القلق. هنا أكثر من مليون ونصف نازح يتعرّض في أحيان كثيرة للتمييز العنصري والتعنيف والتهديد فيردّ الصاع الصاعين بمواقف معادية وحاقدة. قنابل قد تفجّر المجتمع كلّه. وهنا أيضاً، ضحايا حرب ومخفيون في السجون السورية وعائلات تذوّقت العلقم على مرّ سنوات طوال ولم يأت أحد إليها يطلب منها السماح وفتح صفحة جديدة. وهناك، رجلٌ يتمسكّ بالسلطة ويتفرّج على الدماء، فتحاوره دول وتبرم أخرى اتفاقات معه. هنا، مجتمع وبرلمان وحكومة وأحزاب وجماعات في انقسام دائم لا سيّما حيال العلاقة مع سوريا، وهناك مشروع سياسي واضح المعالم ومخيف ما زال قائماً.  هنا، خوفٌ دائم من سحب بساط الحرية من تحت أرجل اللبنانيين، وهو بات مقدساً بالنسبة إليهم، وهنا وهناك، شعوبٌ تتناحر من أجل زعيم، ثم تموت من أجل هذا الزعيم...لا من أجل الوطن!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى ترجيح الخيار الرئاسي الثالث يتصدر جدول أعمال “الخماسية”

معلومات الكاتب