أخبار عاجلة
ميقاتي “الرابح مرتين” يتنفس الصعداء -
“الحزب” يستهدف فريقًا فنيًا إسرائيليًا -

الرئيس الأميركي القادم واتفاق جديد مع إيران

في دورية مجلة "فورين بوليسي Foreign Policy" الأميركية، كتب دينيس روس ودانا سترول مقالاً مشتركاً حول مستقبل ما بعد انتخابات العام والعلاقة مع ايران. كتبا أنه إذا فاز الديمقراطيون في عام 2020 فيجب عليهم العمل مع حلفاء أميركا الإقليميين للوصول إلى اتفاقٍ نوويٍ جديد، وعدم التهاون بتاتا إزاء حملة طهران الإقليمية لزعزعة الاستقرار.

لقد كانت سياسة إدارة ترمب تجاه إيران واضحة، وهي ممارسة أقصى قدرٍ من الضغط. بيد أن الهدف لم يكن واضحًا، كما أن الرسالة تتغير. ففي العام الماضي، طرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قائمةً تحوي 12 مطلبًا للتفاوض مع إيران، في حين عرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب في شهر يونيو الماضي أن يكون "أفضل صديقٍ لإيران". وفي قمة مجموعة السبع في أغسطس، تحدث عن إمكانية أن تصبح إيران دولةً غنيةً جدًا لمدة طويلة طالما توافق على عدم تطوير سلاحٍ نووي. وبينما كانت قائمة بومبيو بمثابة تغيير أساسي في طبيعة النظام، فإن الحدود الدنيا لترمب تبدو مشابهةً للاتفاق النووي الإيراني.

وفي هذه المرحلة، لا تعد إدارة ترمب قريبةً من إدراك موقف بومبيو المتطرف ولا موقف ترمب الضيق. ومع ذلك، فإن حملة الضغط الأقصى تثير ضائقةً اقتصاديةً خطيرة في إيران. ومع الأخذ بالاعتبار أن صندوق النقد الدولي توقع أن ينمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 4% قبل ابتعاد الولايات المتحدة عن الصفقة وإعادة فرض العقوبات في عام 2018 بينما في الوقت الحالي، يتوقع الصندوق أن يتقلص الاقتصاد الإيراني بنسبة 6%. حيث يعيش الإيرانيون الآن وسط انخفاضٍ كبير في قيمة عملتهم وفقدان المدخرات وارتفاع التضخم والأعمال التجارية والصناعات الفاشلة، والتكاليف المرتفعة للمواد الغذائية الأساسية والأدوية. ومع ذلك، يواصل قادة إيران رفض المفاوضات، بما في ذلك دعوة إلى البيت الأبيض، رغم هذه الضغوط الاقتصادية الهائلة.

وردا على ذلك، يطبق قادة إيران الآن نسختهم الخاصة من الضغط الأقصى على الولايات المتحدة، وأصدقائها في الشرق الأوسط وحلفائها في أوروبا.

وتعد أعمال التخريب ضد ناقلات النفط ومصادرة السفن التي ترفع العلم الإماراتي والبريطاني، وهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية على محطات ضخ النفط ومنشآت أرامكو السعودية والمطارات المدنية في السعودية، وكذلك هجمات الميليشيات الشيعية بالقرب من السفارة الأميركية في العراق وإسقاط طائرة أميركية مسيرة، كلها إجراءات تهدف إلى الدلالة على أن الإيرانيين يمكنهم ممارسة الضغط على سوق النفط، والإيقاع بين واشنطن وبين الدول التي اعتادت على المظلة الأمنية التي توفرها لها الولايات المتحدة.

وإذا لم يكن ذلك كافيا، فإن قرار إيران بالتوقف تدريجياً عن الالتزام ببعض قيود الاتفاق المفروضة على برنامجها النووي يهدف إلى الضغط على الأوروبيين، إما لخرق العقوبات الأميركية من أجل تلبية احتياجات إيران الاقتصادية، أو مواجهة احتمال انهيار الصفقة النووية. وتعد مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقديم تسهيلاتٍ ائتمانية وقروضٍ بقيمة 15 مليار دولار لإيران مقابل عودتها إلى الامتثال للاتفاقية، شهادةً على فعالية سياسة الضغط الإيرانية.

يكمن خطر اتباع كلا الطرفين لنهج الضغط الأقصى في أنه يمكن أن ينزلق بسهولة إلى حساباتٍ خاطئة وصراع، حيث أعلن كل من ترمب والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أنهما لا يريدان ذلك. وبينما أشار ترمب في قمة مجموعة السبع إلى رغبته في إجراء محادثات، رد الإيرانيون برسائل متضاربة، حيث رحب الرئيس الإيراني حسن روحاني في البداية باحتمال عقد لقاء، ثم عكس المسار بجعل المشاركة الإيرانية مشروطةً بتخفيف العقوبات الأميركية. وفي ظل رؤية روحاني المعدّلة، يجب أن تحصل إيران على تخفيف للعقوبات، وذلك لمجرد الحضور.

أما ما سيحدث بعد ذلك، فسوف يعتمد على تقييم المرشد الأعلى حول قدرة النظام في الحفاظ على الاستقرار المحلي، في وقت تعاني فيه البلاد من ضائقة اقتصاديةٍ حادة.

قد يعتقد خامنئي أنه قادر على الصمود أطول من ترمب بغض النظر عن الاضطراب الاقتصادي الخطير، بينما يأمل أن يخسر الأخير الرئاسة في عام 2020 وينتظر أن تلتمس إدارة جديدة طريقا للمفاوضات. بيد أنه إذا كان هناك رئيس أميركي جديد في عام 2021 فستقترب إيران من طاولة المفاوضات بعد أن اتخذت إجراءاتها الخاصة لإضعاف الاتفاق، وفاقمت الصراعات وعدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وفي حال خسر ترمب في عام 2020 فإن خليفته - الذي قد يميل إلى التركيز بشكلٍ ضيق على العودة إلى الاتفاق وإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، كما ذكر إدواردو سارافال لمجلة فورين بوليسي - فقد يجد أن الإيرانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة "مدينةٌ لهم"، حيث سيصرون على أن إيران لم تتخل عن الاتفاق لكنها عانت من ألمٍ اقتصاديٍ حقيقي برغم ذلك، وعلى أن تصرفات ترمب أجبرتهم على المضي بخطوات نووية يمكن الرجوع عنها. ومن المحتمل أن يطالبوا برفع العقوبات النووية التي أعيد فرضها، وكذلك بخطواتٍ إضافية لتخفيف العزلة الاقتصادية لإيران التي لم تكن الحكومة الأميركية تشترطها في اتفاق عام 2015. كما قد يصرون على التخفيف من العقوبات غير النووية على حقوق الإنسان والإرهاب - وهي العقوبات المنصوص عليها في القانون الأميركي - والتي أحدثت أثراً مخيفاً على الاستثمار في إيران حتى بعد سريان الاتفاق.

وإذا خلف رئيس ديمقراطي ترمب، عليه عدم قبول هذه الحجج. حيث ستتعامل الإدارة الجديدة مع حلفاء الولايات المتحدة الذين يعتقدون أن واشنطن أصبحت أقل موثوقية مما كانت عليه من قبل من جهة، ومن جهة أخرى، يلقون باللوم على الحكومة الأميركية في تصاعد التوترات في الخليج وعبر المنطقة. بينما سيرغب فريق جديد للأمن القومي في إنهاء عزلة الولايات المتحدة عن حلفائها واستعادة صورة الموثوقية، مما سيشكل تحديا دقيقا، حيث يتعين على الإدارة الجديدة أن تُظهر أن واشنطن ليست مصدر الأزمة في الخليج، بينما تسعى لإقناع الحلفاء بالانضمام إليها في التصدي لدور إيران في زعزعة الاستقرار الإقليمي.

المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي

تعد "أنشطة إيران الخبيثة" في المنطقة - كما وصفها بومبيو - أنشطةً حقيقية وليست جديدة. ففي لبنان، تقوم إيران ببناء ترسانة حزب الله الصاروخية لتهديد إسرائيل، وتحاول الآن اختلاق توجيهاتٍ دقيقة لعشرات الآلاف من الصواريخ هناك. وفي سوريا، مكنت إيران جرائم الحرب التي ارتكبها الرئيس السوري بشار الأسد، واستوردت قواتها الخاصة وكذلك الميليشيات الشيعية من العراق وباكستان وأفغانستان للحفاظ على النظام، وترسيخ بنيتها التحتية العسكرية من أجل تأثيرٍ طويل الأجل في سوريا.

أما في اليمن، فقد نقلت إيران أسلحةً وخبراتٍ متطورة إلى الحوثيين لشن هجماتهم على السعودية. وفي العراق، ترعى إيران ميليشيات خارجةً عن سيطرة الحكومة المركزية، مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، والتي كانت مسؤولةً عن مقتل أكثر من 600 من القوات الأميركية في العراق.

لقد كانت أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة موجودةً قبل اتفاق عام 2015 وقد استمرت خلال المفاوضات النووية، وزادت بعد سريان الاتفاق.

وبالطبع، فإن من الأفضل أن يكون برنامج الأسلحة النووية الإيراني مقيدا ومحصورا بشكلٍ مستقل عن أنشطتها الخطيرة في الشرق الأوسط. بيد أنه من الحماقة الاعتقاد بأن إيران يمكنها أن تقوض أمن جيرانها بفعالية، وتدعم مجرمي الحرب وتتحدث عن محو إسرائيل من على الخريطة، دون أي تأثيرٍ سلبيٍ على استدامة الاتفاق النووي أو أي اتفاقٍ لاحق. وسوف يفرض الكونغرس الأميركي حتماً عقوبات على هذا السلوك - بغض النظر عن دعم البيت الأبيض - ما قد يجعل إيران تنتحب اعتراضا.

لقد أظهرت إدارة ترمب أن بإمكانها فرض سعرٍ على إيران. لكنها لم تثبت أنها قادرة على تغيير سلوك النظام، سواءً فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو وكلائه الإقليميين. وبمرور الوقت، قد ينجح هذا الضغط في إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات - لكنها ستكون مهمةً شاقةً دائما إذا انفردت الحكومة الأميركية في ممارسة الضغط والمطالبة بتغيير السلوك. وإذا ما خسر ترمب في عام 2020 فإن خليفته سيحتاج إلى حلفاء، وكذلك إلى إدراك أن العودة ببساطة إلى اتفاق إيران، لا يمكن أن تكون الوسيلة والغاية لسياسة أميركية جديدة بشأن إيران.

قد يصعب على الاتفاق القادم تمديد القيود على التخصيب الإيراني، وكذلك حل الدعم الإيراني للإرهاب. وفي حين أن كلتا القضيتين لا تحتاج إلى معالجة شاملة في نفس الاتفاق، فمن الأهمية بمكان أن تفهم إيران والمجتمع الدولي أن الإدارة الأميركية القادمة ستلتزم بمعالجة كليهما. (ويعد هذا صحيحا بشكلٍ خاص في وقتٍ تزيد فيه جهود إيران بتهديد الصواريخ كما ونوعا لإسرائيل في العراق وسوريا ولبنان، مما يخاطر بنشوب حربٍ إقليمية بين إيران وإسرائيل).

وللقيام بذلك، ستحتاج الإدارة القادمة إلى توضيح أنها تعتزم العمل مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها بدلا من معارضتهم، حيث إن النفوذ الحقيقي ضد إيران لا يتطلب دائما ضغطا اقتصاديا فحسب، بل يتطلب أيضا عزلةً سياسية. ومن الممكن التأثير على سلوك إيران نحو الأفضل بمساعدة الحلفاء، أما إذا استمرت واشنطن في القيام بذلك بمفردها، فلن يكون ذلك ممكنا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى أوكرانيا تلاحق الصحفيين لإخفاء الحقائق