بتدخل ذكي.. هكذا مهّد الإيطاليون الطريق لوحدة بلادهم

عقب أحداث عامي 1848 و1849، فشل القوميون الإيطاليون في تحقيق وحدة بلادهم والتي كانت مقسمة إلى مجموعة من الدويلات. وبناء على ذلك تزايد النفوذ النمساوي بشبه الجزيرة الإيطالية بشكل واضح سواء بشكل مباشر عن طريق التواجد العسكري أو عن طريق عدد من أمرائها بكل من نابولي (Naples) ومودينا (Modena) وبارما (Parma).

في غضون ذلك اتجهت الأنظار بإيطاليا نحو مملكة البيومونت (Kingdom of Piedmont) والتي كانت تضم أيضا أراضي سردينيا (Sardinia) ومقاطعة سافوا (Savoy)، متخذة من تورينو (Turin) عاصمة لها حيث حملت الأخيرة على عاتقها ما تبقى من آمال الاستقلال والوحدة الإيطالية. فخلال تلك الفترة تمتعت البيومونت والتي بلغ تعداد سكانها خمسة ملايين نسمة بنسبة من الحرية حيث امتلكت الأخيرة جيشا وطنيا وحافظت على دستورها ونظامها الليبرالي مقارنة ببقية الدويلات بشبه الجزيرة الإيطالية.

لوحة زيتية حول احدى معارك حرب القرم

قبل استدعاء الجنرال جوزيبي غاريبالدي (Giuseppe Garibaldi) وبداية حملة الألف برز على الساحة السياسية بالبيومونت وجهان سياسيان بارزان كان أولهما الملك فكتور إيمانويل الثاني (Victor Emmanuel II) والذي لم يتردد في استدعاء السياسي المحنك كاميلو بنسو (Camillo Benso) والمعروف بكافور (Cavour) والمنتمي إلى إحدى عائلات النبلاء لتعيينه رئيسا للوزراء سنة 1852. وفي الأثناء عرف عن كافور، الذي قضى سنوات عديدة بلندن، تشبعه بالفكر الليبرالي وإعجابه بالملكية الدستورية فضلا عن ذلك حظي الأخير بالعديد من الخصال ولعل أبرزها الذكاء والحذر وهو ما جعله واحدا من أبرز سياسيي عصره.

لوحة زيتية تجسد الوزير الإيطالي كافور

منذ البداية تيقن كافور من ضرورة حصول البيومونت على حلفاء خارجيين أقوياء لطرد النمسا وتحقيق الوحدة الإيطالية وتزامنا مع ذلك اعتبر الوزير الإيطالي الخيار العسكري الحل الأنسب لبلوغ هدفه. لهذا السبب عمدت البيومونت إلى زيادة عدد جنودها فما كان منها إلا أن ألغت الامتيازات الضريبية للكنيسة وصادرت أراضيها وهو الأمر الذي وفّر عائدات مالية هامة لخزينة الدولة فضلا عن ذلك اتجهت البيومونت لاعتماد نظام التجارة الحرة وساندت مشاريع إنشاء السكك الحديدية وحفر نفق Mont Cenis وهو ما سهّل المبادلات التجارية.

وبفضل توفر المزيد من العائدات المالية تمكنت البيومونت من رفع تعداد جنودها إلى أكثر من 90 ألف عنصر وهو الأمر الذي سرعان ما تسبب في قلق النمسا. وبالتزامن مع ذلك، اتجه الوزير كافور لتحويل مملكة البيومونت إلى منبع للفكر المناهض للنمسا ودورها بالمنطقة فما كان منه إلا أمر باستقبال جميع اللاجئين السياسيين المؤيدين لفكرة الوحدة الإيطالية. وخلال نفس الفترة عمد كافور للتقرب من الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث (Napoleon III) والذي عرف بتعاطفه مع قضية الوحدة الإيطالية أثناء فترة تواجده ضمن منظمة كاربوناري (Carbonari).

صورة للإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث خريطة الدويلات الإيطالية سنة 1850

منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر استغل الوزير كافور حرب القرم ليتدخل إلى جانب كل من فرنسا وإنجلترا ضد الإمبراطورية الروسية. في أثناء ذلك لم تكن للبيومونت أية علاقة بهذا النزاع، لكن ومن خلال تدخله العسكري هذا سعى كافور للتقرب أكثر فأكثر من فرنسا وإنجلترا واللتين مثلتا حليفا ضروريا للوزير الإيطالي.

وخلال حرب القرم أرسلت البيومونت فيلقا عسكريا تكون من نحو 20 ألف جندي ومع نهاية المعارك بلغت الخسائر البشرية لهذه المملكة الإيطالية ألفي جندي فارق ما يزيد عن ثلاثة أرباعهم الحياة بسبب الأمراض.

لوحة تجسد احدى معارك حرب القرم صورة فوتوغرافية تجسد الأطراف المجتمعة بمؤتمر باريس 1856 صورة للملك فكتور إيمانويل الثاني

عقب نهاية حرب القرم اجتمعت الأطراف المتحاربة سنة 1856 لتوقيع اتفاقية سلام باريس. وفي الأثناء، استغل الوزير كافور ممثل البيومونت هذا المؤتمر المنعقد بالعاصمة الفرنسية ليعرّف لدى القوى العظمى بالقضية الإيطالية وانتهاكات النمسا لحقوق الشعب الإيطالي وضرورة حصوله على الاستقلال، وبناء على ذلك لقيت كلمات كافور صدى واسعا لدى الفرنسيين والإنجليز ممهدة بذلك الطريق نحو الوحدة الإيطالية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى أوكرانيا تلاحق الصحفيين لإخفاء الحقائق